فصل: (سورة ق: الآيات 16- 20):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ} كلام مستأنف لبيان حقيقة راهنة عن البعث واتفاق جميع الرسل عليه و{قبلهم} ظرف متعلق بكذبت و{قوم نوح} فاعل وما بعده عطف عليه.
{وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ} عطف على ما تقدم أيضا.
{وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ} عطف أيضا وقد مرّت جميعا.
{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} {كل} مبتدأ والتنوين فيه عوض عن كلمة أي كل رسول من المذكورين وجملة {كذب الرسل} خبره والفاء عاطفة وحق فعل ماض و{وعيد} فاعل مضاف لياء المتكلم وأصله وعيدي فحذفت الياء وبقيت الكسرة دليلا عليها.
{أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} الهمزة للاستفهام أي لم نع به فلا نعيا بإعادته والفاء عاطفة على محذوف تقديره أقصدنا الخلق فعجزنا عنه حتى يتوهم أحد عجزنا عن إعادته وعيينا فعل وفاعل و{بالخلق} متعلقان بعيينا فالأول صفة للخلق و{بل} عطف على مقدّر مستأنف مسوق لبيان شبهتهم وفضح سفسطتهم والتقدير هم غير منكرين لقدرتنا بل هم في خلط وشبهة، و{هم} مبتدأ و{في لبس} خبر و{من خلق} نعت للبس و{جديد} نعت لخلق.

.البلاغة:

التعريف والتنكير في تعريف الخلق الأول وتنكير اللبس والخلق الجديد لأغراض بلاغية معجزة، فالتعريف تنويه بفخامة ما قصد تعريفه وتعظيمه، ومثله تعريف الذكور في قوله تعالى: {ويهب لمن يشاء الذكور} والقصد منه جعله دليلا على إمكان الخلق الثاني بطريق الأولى لأنه إذا لم يع تعالى بالخلق على عظمته وانفساحه واستيعابه لما يدهش العقول ويحير الأفكار فالخلق الآخر هو مجرد إعادة أولى أن لا يعبأ به وأن لا يتجاوز مدى القدرة والإمكان فهذا سرّ تعريف الخلق الأول، وأما التنكير فأمره منقسم، فمرة يقصد به تفخيم المنكر من حيث ما فيه من الإبهام كأنه أفخم من أن يخاطبه معرفة، ومرة يقصد به التقليل من المنكر والوضع منه، ومن الأول قوله تعالى: {سلام قولا من رب رحيم} وقوله: {لهم مغفرة وأجر عظيم} وقوله: {إن المتقين في جنات ونعيم} وهو أكثر من أن يحصى، والثاني هو الأصل في التنكير فلا يحتاج إلى تمثيله فتنكير اللبس من التعظيم والتفخيم كأنه قال: في لبس أي وتنكير الخلق الجديد للتقليل منه والتهوين لأمره بالنسبة إلى الخلق الأول يحتمل أن يكون للتفخيم وكأنه أمر أعظم من أن يرضى الإنسان بكونه ملتبسا عليه مع أنه أول ما تبصر فيه صحته.

.[سورة ق: الآيات 16- 20]:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قول إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)}.

.اللغة:

{تُوَسْوِسُ} الوسوسة الصوت الخفي ومنها وسواس الحلي، ووسوسة النفس ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس.
{حَبْلِ الْوَرِيدِ} قال الزمخشري: وحبل الوريد مثل في فرط القرب كقولهم هو منّي معقد القابلة ومعقد الإزار وقال ذو الرمّة:
هل أغدونّ في عيشة رغيد ** والموت أدنى لي من الوريد

أي لا أكون في عيشة واسعة والحال أن الموت أقرب إليّ من الوريد، والوريدان عرقان في مقدّم صفحتي العنق سمّيا بذلك لأنهما يردان من الرأس أو لأن الروح تردهما وقد تقدم بحث وجه إضافة الحبل إلى الوريد.
{عَتِيدٌ} حاضر، وفي المصباح: عتد الشيء بالضم عتادا بالفتح حضر فهو عتد بفتحتين وعتيد أيضا ويتعدى بالهمزة والتضعيف فيقال أعتده صاحبه وعتده إذا أعدّه وهيأه، وفي التنزيل: وأعتدت لهنّ متكأ.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} الواو استئنافية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق و{خلقنا الإنسان} فعل ماض وفاعل ومفعول به والواو للحال بتقدير نحن وجملة {نعلم} خبر مبتدأ مقدّر والجملة الاسمية في محل نصب على الحال المقدّرة ولك أن تجعل الواو استئنافية فتكون الجملة مستأنفة و{ما} مفعول به وجملة {توسوس} صلة ولك أن تجعل ما مصدرية والتقدير ونعلم وسوسة نفسه له و{به} متعلقان بتوسوس و{نفسه} فاعل، {ونحن} الواو عاطفة و{نحن} مبتدأ و{أقرب} خبر و{إليه} متعلقان بأقرب و{من حبل الوريد} متعلقان بأقرب أيضا.
{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ} {إذ} يجوز أن يكون ظرفا لأقرب وأن يكون التقدير اذكر وجملة {يتلقى} في محل جر بإضافة الظرف إليه و{المتلقيان} فاعل و{عن اليمين} خبر مقدم و{الشمال} عطف على {اليمين} و{قعيد} مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب على الحال من {المتلقيان}.
{ما يَلْفِظُ مِنْ قول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} {ما} نافية ويلفظ فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو يعود على الإنسان و{من} حرف جر زائد وقول مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول {يلفظ} و{إلا} أداة حصر و{لديه} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم و{رقيب عتيد} مبتدأ مؤخر وهو واحد في اللفظ والمعنى رقيبان عتيدان أو ملكان موصوفان بأنهما رقيبان عتيدان وقيل لا حاجة إلى هذا التقدير بل الأولى جعل الوصفين لشيء واحد أي إلا لديه ملك موصوف بأنه رقيب عتيد أي حافظ حاضر.
{وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} كلام مستأنف مسوق لبيان ما يلاقونه من الموت والبعث وما يترتب عليهما من الأهوال، {وجاءت سكرة الموت} فعل وفاعل و{بالحق} حال أي حال كونها ملتبسة بالحق فالباء للملابسة وقيل هي للتعدية يعني وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الذي أنطق اللّه به كتبه وبعث به رسله ورجح الزمخشري هذا الوجه، و{ذلك} مبتدأ و{ما} خبر وكان واسمها و{منه} متعلقان بتحيد وجملة {تحيد} خبر {كنت} وجملة {كنت} صلة {ما} وجملة {ذلك ما كنت} مقول قول محذوف أي ويقال له في وقت الموت ذلك الأمر الذي رأيته لا الذي كنت منه تحيد في حياتك فلم ينفعك الهرب وما أنجاك الفرار.
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} عطف على {وجاءت سكرة الموت} و{نفخ} فعل ماض مبني للمجهول و{في الصور} متعلقان بنفخ و{ذلك} مبتدأ و{يوم الوعيد} خبره والإشارة إلى مصدر {نفخ}.

.[سورة ق: الآيات 21- 30]:

{وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقال قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26) قال قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قال لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)}.

.الإعراب:

{وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ} الواو عاطفة و{جاءت كل نفس} فعل وفاعل و{معها} ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم و{سائق} مبتدأ مؤخر و{شهيد} عطف على {سائق} والجملة الاسمية في محل رفع صفة لكل أو في محل نصب صفة لها أي معها من يسوقها ويشهد عليها ولك أن تجعلها حالية.
{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} الجملة مقول قول محذوف أي يقال لكل نفس واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وكان واسمها و{في غفلة} خبرها و{من هذا} متعلقان بغفلة والفاء حرف عطف وكشفنا فعل وفاعل و{عنك} متعلقان بكشفنا و{غطاءك} مفعول به والفاء عاطفة و{بصرك} مبتدأ و{اليوم} ظرف متعلق بمحذوف حال و{حديد} خبر {بصرك}.
{وَقال قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ} الواو عاطفة و{قال قرينه} فعل وفاعل والمراد بالقرين الملك الموكل به أو الشيطان الذي سوّل له الشر و{هذا} مبتدأ و{ما} يجوز أن تكون نكرة موصوفة و{عتيد} صفتها و{لدي} ظرف متعلق بعتيد أي هذا شيء عتيد لدي أي حاضر عندي ويجوز على هذا أن يكون {لدي} وصفا لما و{عتيد} صفة ثانية أو خبر لمبتدأ محذوف أي هو عتيد ويجوز أن تكون {ما} موصولة بمعنى الذي وجلدي صلتها و{عتيد} خبر الموصول والموصول وصلته خبر اسم الإشارة ويجوز أن تكون {ما} بدلا من هذا موصولة أو موصوفة بلدي و{عتيد} خبر {هذا}، وجوّز الزمخشري في {عتيد} أن يكون بدلا أو خبرا بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف وفيما يلي نص إعراب الزمخشري قال: فإن قلت: كيف إعراب هذا الكلام؟ قلت: إن جعلت {ما} موصوفة فعتيد صفة لها وإن جعلتها موصولة فهو بدل أو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف. وقال أبو البقاء: قوله تعالى: {هذا} مبتدأ وفي {ما} وجهان أحدهما هي نكرة و{عتيد} صفتها و{لدي} معمول {عتيد} ويجوز أن يكون {لدي} صفة أيضا فيتعلق بمحذوف و{ما} وصفتها خبر هذا والوجه الثاني أن تكون ما بمعنى الذي فعلى هذا تكون {ما} مبتدأ و{لدي} صلة و{عتيد} خبر {ما} والجملة خبر هذا ويجوز أن تكون {ما} بدلا من هذا ويجوز أن يكون {عتيد} خبر مبتدأ محذوف ويكون {ما لدي} خبرا عن {هذا} أي هو {عتيد} ولو جاء ذلك في غير القرآن لجاز نصبه على الحال.
{أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} الجملة مقول قول محذوف أي يقال ألقيا، و{ألقيا} فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بألف الاثنين، قيل خاطب الملكين السائق والشهيد وقيل هو خطاب للواحد وأخرج الكلام مخرج الخطاب مع الاثنين لأن العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع فمن ذلك قول امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ** بسقط اللوى بين الدخول فحومل

وقول الآخر:
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر ** وإن ترعياني أحم عرضا ممنعا

خاطب الواحد خطاب الاثنين وإنما فعلت العرب ذلك لأن الرجل يكون أدنى أعوانه اثنين: راعي إبله وراعي غنمه، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرور ألسنتهم عليه ويجوز أن يكون المراد به ألق ألق وقف قف فإلحاق الألف أمارة دالّة على أن المراد تكرير اللفظ كما قال أبو عثمان المازني في قوله تعالى: {رب ارجعون}، والمراد منه أرجعني أرجعني أرجعني فجعلت الواو علما مشعرا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارا وقيل أراد ألقين وأراد امرؤ القيس فقن على جهة التأكيد فقلب النون ألفا في حال الوصل لأن هذه النون تقلب أيضا في حال الوقف فحمل الوصل على الوقف، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله تعالى: {لنسفعن} قلت: لنسفعا ومنه قول الأعشى:
وصلّ على حين العشيات والضحى ** ولا تحمد الشيطان واللّه فاحمدا

أراد فاحمدن فقلب نون التوكيد ألفا. و{في جهنم} متعلقان بألقيا و{كلّ كفّار} مفعول به و{عنيد صفة} لكفّار.
{مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ} صفات متتابعة.
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ} {الذي} يجوز أن يكون بدلا من {كل} فيكون في محل نصب أو بدلا من {كفّار} فيكون في محل جر وأن يكون منصوبا على الذم وأن يكون مبتدأ فيكون في محل رفع وجملة {جعل} صلة و{مع اللّه} ظرف متعلق بمحذوف مفعول به ثان و{إلها آخر} مفعول به أول والفاء رابطة لشبه الموصول بالشرط في العموم، وألقياه فعل أمر وفاعل ومفعول به والجملة خبر {الذي} إذا جعلت خبرا والأول أرجح و{في العذاب} متعلقان بألقياه و{الشديد} نعت للعذاب.
{قال قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} {قال قرينه} فعل وفاعل و{ربنا} منادى مضاف و{ما} نافية و{أطغيته} فعل وفاعل ومفعول به {ولكن} حرف استدراك مهمل لأنه خفّف و{كان} فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هو و{في ضلال} متعلقان بمحذوف خبر كان و{بعيد} صفة لضلال وجملة {قال قرينه} مستأنفة ولذلك جاءت بلا واو، قال الزمخشري: فإن قلت لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الأولى قلت لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون فإن قلت: فأين التقاول هاهنا؟
قلت: لما قال قرينه {هذا ما لديّ عتيد}، وتبعه قوله: قال: {ربنا ما أطغيته} وتلاه: {لا تختصموا لديّ} علم أن ثم مقاولة من الكافر لكنها طرحت لما يدل عليها كأنه قال رب هو أطغاني فقال قرينه ربنا ما أطغيته، وأما الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال له.
{قال لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} {لا} ناهية و{تختصموا} فعل مضارع مجزوم والجملة مقول القول و{لدي} ظرف متعلق بتختصموا والواو للحال و{قد} حرف تحقيق و{قدمت} فعل وفاعل و{إليكم} متعلقان بقدمت والباء في بالوعيد مزيدة مثلها في {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} أو معدية، على أن قدم مطاوع بمعنى تقدم ويجوز أن يقع الفعل على جملة قوله: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلّام للعبيد} ويكون {بالوعيد} حالا أي قدمت إليكم هذا ملتبسا بالوعيد مقترنا به أو قدمته إليكم موعدا لكم به.
{ما يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} {ما} نافية و{يبدل} فعل مضارع مبني للمجهول و{القول} نائب فاعل و{لدي} ظرف متعلق بيبدل والواو حرف عطف و{ما} نافية حجازية و{أنا} اسمها والباء حرف جر زائد و{ظلّام} مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر {ما} و{للعبيد} متعلقان بظلّام.
{يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} {يوم} لك في ناصبه وجهان: أن تجعله منصوبا باذكر مقدّرا أو تعلقه بظلام لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفى الظلم عنه في غيره أولى وجملة {نقول لجهنم} في محل جر بإضافة الظرف إليه وجملة {هل امتلأت} مقول القول {وتقول} عطف على {نقول} و{هل} حرف استفهام و{من} حرف جر زائد و{مزيد} مجرور لفظا مرفوع على الابتداء محلا وخبره محذوف تقديره موجود.

.البلاغة:

1- في قوله: {فكشفنا عنك غطاءك} كناية عن الغفلة كأنها غطّت جميعه أو عينيه فهو لا يبصر، فإذا كانت القيامة زالت عنه الغفلة فتكشفت له الحقائق وانجلى عنه الرين الذي كان مسدولا أمامه فأبصر ما لم يكن يبصره في حياته، ويجوز أن يكون الغطاء استعارة تصريحية جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئا.